روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات نفسية | الظواهر الحسية في مرضى.. الوسواس القهري1

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات نفسية > الظواهر الحسية في مرضى.. الوسواس القهري1


  الظواهر الحسية في مرضى.. الوسواس القهري1
     عدد مرات المشاهدة: 7806        عدد مرات الإرسال: 0

رغم اعتبار اضطراب الوسواس القهري اضطرابا عصابيا أصيلا وتصنيفه رسميا في التصنيف العالمي ICD- 10 والتصنيف الأمريكي DSM- IV واحدا من اضطرابات القلق Anxiety Disorders.

ورغم القناعة التامة بذلك لدى أغلب الأطباء النفسانيين اليوم، إلا أن مطالعة الأدبيات تبين وجود إشارة صريحة أولى إلى وجود أعراض ذهانية Psychotic Symptoms مع أعراض الوسواس القهري في نفس المريض منذ ما يناهز اليوم 100 عام أو يزيد (Berrios, 1989) , كما نجد في العقود الأخيرة انتباها إلى وجود فقدان الاستبصار Loss of Insight - وهو عرض ذهاني يحدث في 97% من مرضى الفصام (Sartorius, Shapiro & Jablensky, 1974).

ويعتبره الطبيب النفساني عرضا ذهانيا غالبا دون مناقشة- في نسبة لا يستهان بها من مرضى الوسواس القهري، بل يشمل التشخيص حسب التصنيف الأمريكي إشارة إلى مستوى الاستبصار لدى مريض الوسواس القهري.

كما يردد البعض تسمية وسواس قهري ذهاني مشيرين إلى أن اقتناع المريض بصحة فكرته الوسواسية يجعله يجتاز الحد الفاصل بين الفكرة الوسواسية Obsessive Thought والفكرة الوهامية Delusional Thought، وتعتبر الأخيرة بمثابة العلامة المميزة للذهان، وعادة ما يحتاج علاج المريض ضعيف أو فاقد الاستبصار إلى إضافة عقاقير مضادة للذهان مع عقاقير علاج الوسوسة، وتلك هي ممارسة أغلب الأطباء النفسانيين.. . . رغم كل ذلك ما يزال المفهوم الشائع لدى الأطباء النفسانيين هو أن مريض الوسواس القهري أعراضه عصابية فقط.

كذلك فإننا - رغم شيوع الاهتمام بتحول الفكرة الوسواسية إلى فكرة وهامية كعرض للتفكير الذهاني في مريض الوسواس-، جد أن العرض الذهاني التالي في الشهرة وهو الاضطرابات الإدراكية أو الاضطرابات الحسية أي الهلاوس Hallucinations

تلقى اهتماما أقل بكثير عندما تحدث في مرضى الوسواس القهري، والحقيقة أن الهلاوس بل والهلاوس السمعية Auditory Hallucinations تحديدا ليست قاصرة فقط على الاضطرابات الذهانية أو الفصام كما يظن أغلب الأطباء النفسانيين بل وصفت في عدد لا بأس به من الاضطرابات النفسية ولعل الأرقام التالية تكون صادمة للبعض لأنها تبين شيوعا غير متوقع للهلاوس السمعية في غير مرضى الفصام، ففي عينة ضخمة من المرضى النفسيين حدثت الهلاوس في:

1- 53% من مرضى الفصام.

2- 28% من مرضى اضطرابات المزاج.

3- 80% من مرضى الاضطرابات الانفصالية (أو الانشقاقية Dissociative Disorders)

4- 13% من مرضى اضطرابات الشخصة.

والحقيقة أن كون الهلاوس واحدة من الأعراض الذهانية الأساسية وكون الوسواس القهري اضطرابا عصابيا مثاليا هو ما جعل الهلاوس في مريض الوسواس القهري عرضا لا يتقبله أحدٌ بسهولة ناهيك عن توقع حدوثه، ولعل هذا هو السبب في إهمال دراسة الخبرات الحسية غير الطبيعية في مرضى الوسواس القهري، وأتوقع بعد قراءة هذا المقال أن يقتنع القارئ من الأطباء النفسانيين بأن مفهوم العصاب Neurosis ونوعية ومدى ما تصل إليه أعراضه ربما احتاج ويحتاج مراجعة مثلما تحتاج فكرة الأطباء النفسانيين عن الوسواس القهري إلى مراجعة.

على الصعيد الشخصي كان صادما لي أثناء ممارستي العلاج المعرفي السلوكي مع كثير من مرضى الوسواس القهري خاصة ذي المحتوى الديني، كان صادما سماع المرضى الذين يصرون على أنهم يشعرون أحاسيس في الشرج.

كتلك التي تصاحب خروج الريح من البطن أو أحاسيس في المبال بتقطير البول أثناء أو بعد الانتهاء من الوضوء استعدادا للصلاة أو أثناء الصلاة نفسها.. . . ورغم كونهم - بعد تكرار تلك الأحاسيس وتحققهم من عدم واقعيتها مرات عديدة- يعرفون أن هذا لا يحدث، فضلا عن أنهم في كل مرة لا يشمون رائحة ولا يسمعون صوتا كمؤشرات لخروج الريح، ولا هم يعثرون على أي أثر للبول رغم كل ذلك لا يمكنهم عندما تحدث تلك الأحاسيس إلا تكرار الوضوء!

وقد ظللت لفترة أدرك تلك الأحاسيس الحشوية على أنها ثانوية للقلق وأرجعها إلى شدته وإلى التركيز المفرط من جانب الموسوس على الأحاسيس الجسدية المصاحبة لما يخرج من السبيلين بسبب وسوسته، وظللت أؤكد ذلك للمرضى رغم إصرارهم أن أحاسيسهم تلك هي الوسواس وليست ثانوية له.

وهكذا استمر فهمي للظاهرة حتى أجبرتني الشكاوى والتحليلات السلوكية للمرضى التالية حالاتهم وبالترتيب المذكور على تغيير نظرتي وفهمي وموقفي من شكاوى مرضى الوسواس القهري - إضافة إلى أعداد لا تمكن الاستهانة بها من موسوسي خروج الريح ونزول نقطة البول أو المذي الذين لم تنقطع شكاواهم من أذني لأن أصحاب الوساوس القهرية ذات المحتوى الديني Religious Obsessions يمثلون الجزء الأكبر من مرضاي- ومن كثرة ما سمعت وصلت إلى المطالبة بإضافة أو "مشاعر جسدية" Obsessional Bodily Feelings إلى الأشكال الثلاثة الأخرى للوسواس القهري وهي الفكرة Thought أو الصورة image أو النزعة Urge.
 
الحالة الأولى "م":

كان "م" شابا سنه 24 قصير القامة نوعا، مُشْعِرا ويبدو عليه الذكاء دخل على الطبيب النفساني وشكواه: ”متضايق جدا يا دكتور أنا لا أريد أبدا أن أكون كذلك، أنا آسف.. لكنني أنجذب إلى الشباب.. منذ سنة ونصف فاجأني طبيب الجلدية والتناسلية بأن الاعوجاج في قضيبي والذي نتج عن حقنة لفحص قوة الانتصاب سببت تليفا على ناحية دون أخرى، هذا الاعوجاج سيبقى.. . من بعدها انقلبت حياتي رأسا على عقب!. . . . . .

بدأت أشعر بالإثارة الجنسية في وجود زملائي الذكور، وبدأت أتخيل نفسي معهم في مواقف وأوضاع جنسية مقرفة.. . . . . ، يا دكتور أشعر بشعور خلفي بالإثارة وأحيانا يحدث لي انتصاب وهذا ما لم يكن أبدا يحدث في وجود الذكور.. . هل ممكن أن يكون الواحد طبيعيا يحب البنات ثم يتحول بعد ذلك إلى شاذ جنسيا؟؟ ممكن يا دكتور؟ وهل يظهرُ ذلك عليَّ؟ هل يعرف الآخرون أني مثار بشكلٍ أو بآخر؟؟

أحيانا أشعر أنني لم أعد أنجذب للبنات.. . وعندما يحدث ذلك لا أستريح إلا عندما أدخل على الإنترنت وأفتح أي موقع من المواقع الجنسية وأمارس العادة السرية لأثبت لنفسي أنني أنجذب للبنات.. . . عندها فقط أستريح، وفي الفترة الأخيرة أصبحت أفعل ذلك يوميا تقريبا ولو لا أصلي لفعلت أكثر.. . . . . . أفكرُ كثيرا.. كثيرا جدا وأبقى أسترجع كل ذكرياتي الجنسية وغير الجنسية وأحيانا أثبت لنفسي أنني طبيعي وأحيانا أثبت العكس.. . .

ليل نهار أفكر في الأمر وتتقلب الصور في عقلي.. . . عذاب لا ينتهي.. . . . . . . وفي الفترة الأخيرة أصبح الانتصاب ضعيفا أكثر مما كان، مما زاد الطين بلة رغم طمأنة طبيب الذكورة.. . . . لكن بصراحة كله كوم والشعور الخلفي كوم وحده! من أين يأتي هذا الشعور المُلح والمتكرر يا دكتور؟ "

- كان ردي عليه: هذا الشعور وسواس يا "م"، فبعد تأكدي من غياب أي ميول جنسية شاذة، كان ذلك الشعور بالإثارة في الدبر في تقديري مشابها لشعور الموسوسين في الوضوء أو الصلاة بخروج الريح أو نقطة البول أو المذي.

- عولجت هذه الحالة بنجاح باستخدام مزيج من جلسات العلاج المعرفي السلوكي وعقاري سيرترالين 50 مجم Sertraline وكلوميبرامين 75 مجم Clomipramine. . . . وتم سحب العلاج منذ خمسة سنوات وما يزال على ما يرام طبقا لمكالمة تليفونية منذ أقل من شهر، ومن المهم التنبيه هنا إلى أن التفكير بالطريقة المعتادة في الطب النفسي الرسمي أو الملتزم بالتصنيفات غالبا ما كان سيجعل الطبيب النفساني المتعجل يشخص هذه الحالة شذوذ جنسي غير منسجم مع الأنا Ego- Dystonic Homosexuality وهو ما قد يؤدي إلى كارثة بالنسبة لمثل هذا المريض.

وقد تمت الإشارة منذ سنة 2006 أو حتى قبلها أو المطالبة بإضافة أو "مشاعر جسدية" Obsessional Bodily Feelings إلى الأشكال الثلاثة الأخرى للوسواس القهري وهي الفكرة أو الصورة أو النزعة في كثير من كتاباتنا على مجانين مثل مقالة الفكرة التسلطية أم الحدث العقلي التسلطي؟ ومثل ردنا: تنقيط البول:  التهاب أم وسواس؟ وردنا: لا لوطي ولا ممسوس: موسوس! فقط! متابعة، وكررنا ذلك سنة 2008 في مقالة:  الشذوذ الجنسي والوسواس القهري: وسواس المثلية
 
الحالة الثانية "أ":

كان "أ" شابا سنه 21 طالبا ما يزال في أولى سنوات كلية للصيدلة قد حضر إلى الطبيب النفساني يشتكي من: اكتئاب، وعزلة اجتماعية شديدة، وتكرار وإطالة مفرطة في الوضوء والصلاة، فهو يمضي 90 دقيقة - في المتوسط- في كل مرة يستخدم فيها المرحاض، ويمضي 30- 60 دقيقة في الوضوء فعلا وتكرارا و30- 60 دقيقة أخرى لأداء صلاة واحدة.. . ولهذا السبب اعتاد الامتناع عن الأكل والشرب كل يوم إلا بعد صلاة العشاء للحد من استخدام المرحاض قدر الإمكان.

كان السبب الذي يجبره على تكرار الوضوء والصلاة هو الإحساس في فتحة الشرج أو القضيب بشيء يخرج (إما ريح البطن، قطرات من البول أو المذي) ورغم علمه أنه إحساس - في الغالب- خادع إلا أنه بالنسبة له أكثر من إحساس حقيقي! كما يقول، ومن المثير للاهتمام أن سبب بقائه 90 دقيقة لكل قضاء حاجة في المرحاض لم يكن - كما نتوقع جميعا- هو التخلص من أثر البراز أو البولز

ولكنه انتظار الشعور بأن قد تم الانتهاء من التبرز أي تم إفراغ كل ما يمكن إفراغه من براز أو من بول! فهو يعتقد أن ذلك الإخلاء الكامل سيحد من خروج ريح البطن وكركبة الأمعاء.. . وبالإضافة إلى ذلك كان عليه أن يعصر القضيب سبع مرات من جذره وصولا إلى الحشفة ليضمن عدم مراوغة قطرات من البول لتنزل بعد الاستنجاء.

كان في طفولته طفلا خوافا تم عرضه في سن الثامنة على طبيب نفساني وصف له عقارا هو غالبا تفرانيل Tofranil (أو إيميبرامين Imipramine) إلا أن أمه منعته من استخدام العقار ولم تعد عرضه على الطبيب.

كما عاني في طفولته من عرات صوتية عابرة Transient Vocal Tics وبعض العرات الحركية Transient Motor Tics العابرة أيضًا ولكن العرات من النوعين لم تكن معيقة بشكل يستدعي طلب العلاج كما لم يحدث أن تزامن النوعان معا.. . كذلك أظهر التاريخ العائلي وجود اضطراب شخصية قسرية شديد في الأم وحالة اكتئاب ووسواس قهري مشابهة في أعراضها لحالته باستثناء العرات في الطفولة، إلا أن أخته كانت ترفض العلاج مع طبيب رجل فلم أرها؛

وأما الاستفسار عن العزلة الاجتماعية فبين أن سببها قلق مبالغ فيه من الرائحة الكريهة التي تنبعث منه بسبب خروج ريح البطن عند تواجده مع الزملاء فهو يشم تلك الرائحة ويخشى التعرض للسخرية من قبل أصدقائه، وبالتالي فهو يتجنب تماما التواجد مع أي واحد في مكان ضيق مثل السيارات أو الغرف المغلقة مثلما الفصول الدراسية والحافلات. . . فإذا لم يكن من الممكن التجنب فإنه يستخدم كميات هائلة من مزيلات الروائح ويهرب من الموقف في أقرب وقت ممكن، كما يسرف في السؤال طلبا للطمأنة سواءًا من أفراد أسرته أو أحد أصدقائه المقربين.

كان "أ" مصرا على أن يجد رائحة منفرة في كل مرة يتواجد فيها مع أشخاص آخرين إلا إذا كان منغمسا في مزيلات الروائح والعطور وعلى الرغم من أن لا أحد من أفراد أسرته يشم أي رائحة كريهة في تلك المواقف وهو يعرف أنهم لا يكذبون.. . . إلا أن الأمر بالنسبة له يبقى صحيحا ولا ينبغي ترك الناس يعرفون.. . . ، كما يشير "أ" إلى أن هذه الرائحة كانت مشكلته الأولى وهي ما دفعه لمحاولة الإكثار من الوضوء والصلاة طلبا للشفاء منها، إلا أن وساوس الوضوء والصلاة جعلت ذلك مستحيلا.

- نجد في هذه الحالة هلاوس حسية تتمثل في الشعور بخروج ريح البطن وكذلك الشعور بخروج نقطة بول وكلاهما مشاعر جسدية تقوم مقام الوسواس Obsessional Bodily Feelings، ونجد كذلك هلوسة شمية تقوم مقام الوسواس وجدير بالذكر أن شدة الرائحة التي كان يشمها "أ" كانت تختلف من موقف لموقف وبدت أحيانا أشد مع الغرباء وأشد في وجود بنات منها في وجود الذكور وهو ما يؤكد على العلاقة بمستوى وشدة القلق، لكن عمل تلك الهلوسة عمل الوسوسة واضح لا لبس فيه، من أكثر من ناحية فقد كان التحاشي واضحا جدا مثلما كانت طلبات الطمأنة بعد كل مرة يضطر فيها إلى التواجد مع آخرين، ومن الغريب أن قناعته بأن أهله لا يكذبون وأنهم لا يشمون أي رائحة منفرة - ولدرجة تجعله هو نفسه أحيانا يشك في واقعية ما يشم- كانت قوية بحيث احتفظ باستبصار جيد طوال فترة مرضه لكن الرائحة في نفس الوقت كانت شديدة الإلحاح كلما حاول تجاهلها، إذن فالطبيعة الوسواسية لهذه الهلاوس واضحة.

- عولجت هذه الحالة بنجاح باستخدام مزيج من جلسات العلاج المعرفي السلوكي وعقاري كلوميبرامين 150 مجم Clomipramine وسالبريد 50 مجم Sulpiride. . . .
 
الحالة الثالثة "ب":
كان "ب" شابا في الـ 25 من عمره، يعالج من حالة اختلال الإنية منذ 4 سنوات، فبينما كان طالبا نشيطا متفوقا في كلية الصيدلة فاجأته في يناير 2004 فكرة أنه على وشك الموت وأدى خوفه المفرط من ذلك إلى أعراض تفي بمعايير تشخيص نوبة هلع، وبعد ذلك بعدة أيام وفجأة بينما "ب" في المصعد أصابه شعور مروعٌ بأنه يتغير، يفصل، وكأنه يفتقد الاتصال مع الواقع، كأنه في حلم، غير قادر على الشعور مشاعره المعتادة، حتى بالنسبة للوقت فهو يشعر نفسه دقيقة بعد أو قبل الوقت!. . . . وبعد أسبوعين من ذلك عرض على طبيب نفساني وصف له مضادا للذهان هو البيموزايد Pimozide ومضادا للاكتئاب هو السيرترالين Sertraline واستمر على هذين العقارين ثلاث أسابيع بلا تحسن يرضيه وبعدها طالت رحلته بين الأطباء وتنوعت العقاقير لكنها ظلت خلطة بين مضادات الذهان ومضادات الاكتئاب.. . . ولم يحدث تحسن ملموس ناهيك عن تحسن مُرضٍ له.

وخلال المقابلة لوحظت كثرة الرمش Frequent Blinking وكذلك لوحظت إمالة الرقبة Neck Tilting بشكل متكرر، وتبين بالسؤال أنها أمثلة لأنواع عديدة من العرات الحركية، ولكن لم يوجد أي تاريخ لعرات صوتية، وذكر "ب" أن والده أيضًا يعاني من حركات الوجه، كذلك أظهر السؤال عن العرات أن لدى المريض أفعال تماثل وتناظر قهرية تسبقها مشاعر من نوع "يجب أن تكون متناظرة لتكون صحيحة"، ومن أمثلة قهورات التماثل والتناظر:

1- عند عبور الطريق إذا نظر لليمين ولأعلى مرة واحدة فلابد أن ينظر لليسار ولأسفل مرة واحدة وفي كثير من الأحيان كان يكرر حتى يشعر أنه فعل بشكل صحيح.

2- قبل الدخول إلى الفصول الدراسية كان مضطرا لاتخاذ خطوة واحدة إلى الأمام وإلى الوراء (اليمين واليسار).

3- إذا شيء ضرب أو صدم الجانب الأيمن من صدره كان يشعر أنه مضطر لضرب الجانب الأيسر بنفس الشيء وكان يفعل ذلك.

وإضافة إلى ذلك عانى "ب" من الوساوس الدينية الاجترارية ووساوس وقهورات الوضوء والصلاة، ومن وساوس وقهورات التحقق والعد والتكرار، وأيضًا وسواس النظر للعورات، وأما ما بدا مستغربا فهو أنه لم يشتكي مطلقا لكل معالجيه السابقين لا من الوساوس ولا من العرات، وكذلك بينت الأسئلة الأخرى وجود تاريخ مرضي في الطفولة لمخاوف ووساوس من المرض والموت.. . . مثلا الإيدز والسرطان إلخ.، كما ظهرت استجابة اشمئزاز "قرف" سببت له ولأهله وما تزال تسبب مشكلات كثيرة فهو يشمئز من الفواكه أو الخضروات التي تحتوي على البذور، وبالتالي فإن الزيتون والمشمش والبطيخ وغيرها تستثير رد فعل الاشمئزاز الشديد وهو ما أدى إلى سلوكيات تجنبية Avoidance Behaviors ما تزال مستمرة معه.

وتم إدماج "ب" في العلاج المعرفي السلوكي وبعد فترة أولى من النجاح في تطبيق واجبات التعرض ومنع الاستجابة صرح بأنه لن يستطيع الامتناع عن التحقق من غلق صمام الغاز لأنه أصبح يشم رائحة الغاز بعد فترة من منع نفسه من الذهاب إلى المطبخ للتحقق من الصمام ورغم أنه يجد الصمام مغلقا إلا أن الرائحة التي يشمها لا يمكن تكذيبها، وتبين بالسؤال أن الظاهرة التي يصفها هي هلاوس شمية Olfactory Hallucination. . . . . وأظهر السؤال أن الرائحة كانت تزيد كلما اقترب من المطبخ وتقل كلما ابتعد عنه، مثلما كانت معرفته بأنه سيجد الصمام مغلقا قادرة على تشكيكه في واقعية الرائحة التي يشمها لكن بدرجة لا تمنعه من الاستسلام لإلحاحها والعودة للمطبخ للتحقق.

- عولجت هذه الحالة باستخدام مزيج من العلاج المعرفي السلوكي وعقاري كلوميبرامين 150 مجم Clomipramine وفلوفوكسامين 100 مجم Fluvoxamine إضافة إلى أريبيبرازول 5 مجم Aripiprazole، وجديرٌ بالذكر أننا لم نغير شيئا من العقاقير ولا الجرعات بعد ظهور الهلاوس الشمية، وإنما تم إقناع "ب" بأن يستجيب يوما للرائحة بطريقته المعتادة أي بأداء الفعل القهري ويوما بمنع الاستجابة وبالتدريج كنا نزيد من أيام عدم الاستجابة بينما كان العمل مستمرا على الأعراض الأخرى.
 
الحالة الرابعة "هـ ":

كانت الآنسة "هـ " قد أنهت لتوها دراستها الجامعية لآداب اللغة الإنجليزية حين عرضها أهلها على الطبيب النفساني وكانت تعاني من وساوس وقهورات شديدة ومعيقة واكتئاب، تعلقت وساوسها وقهوراتها بالتحقق والتنظيم والترتيب والأهم كان استجابة اشمئزازا مفرطة وتحاشٍ مستمر ومستفز للرجال على إطلاقهم ولأي شيء من متعلقات الرجال سواء كان ثيابا أو حذاء أو حتى علبة سجائر وكان ذلك سببا لكثير من المشاحنات بينها وبين أبيها وإخوانها الذكور، وقد أظهر التاريخ المرضي والتحليل السلوكي للحالة وجود تاريخ سابق لفترة عابرة من سلوك نتف الشعر الوسواسي Transient Obsessive Trichotilomanic Behaviors بينما كانت السلوكيات الوسواسية التالية موجودة حاليا:

1- قضم الأظافر القهري Compulsive Onychophagia:  ويشمل أصابع اليدين والقدمين، وهو - في الأغلب- استجابة للكروب المختلفة.

2- نقر الجلد القهري Compulsive Skin Picking:  والذي غالبا ما يحدث عند وجود أي جروح أو بثور صغيرة وقد تسبب في تشويه واضح لبشرة الوجه.

3- فرقعة المفاصل القهرية Compulsive Joint Clicking:  حيث اشتكت من استغراقها كثيرا في الفرقعة المتتالية لمفصل الكاحل ومفاصل أصابعها.. . . ورغم كون الفرقعة بطيئة وإرادية إلا أنها

قهرية ومتكررة بشكل مؤلم وتبدأ استجابة لشعور غريب بعدم الراحة حول المفصل Strange Uncomfortable Peri- Joint Feeling مع رغبة في فرقعة المفصل ليسكن ذلك الشعور، وعادة ما تستمر المريضة في تكرار الفرقعة لعدة دقائق مرات كثيرة كل يوم، ولم يقدم الزميل مستشار جراحة العظام أي تفسير أكثر من أنها حالة نفسية ونصح باستخدام عقاقير لحماية غضاريف المفاصل.

ورغم الوجود الواضح لأكثر من اضطراب من اضطرابات نطاق الوسواس القهري إلا أنه لا يوجد أي تاريخ لأيٍّ من أشكال العرات الحركية أو الصوتية وذلك رغم أن الشعور الغريب بعدم الراحة حول المفصل ليس مختلفا عن الظواهر الحسية التي يشتكي منها أغلب مرضى العرات، لكن علينا أن نتأمل هذا العرض الحسي المتمثل في الشعور الغريب بعدم الراحة حول المفصل والذي لا يخفت إلا بفرقعته والتي كانت فعلا قهريا لا مجال للشك فيه، ألا يمثل ذلك الشعور وسوسة حسية في شكل هلوسة لمسية Tactile Hallucination؟

- عولجت هذه الحالة بمزيج من العلاج المعرفي السلوكي وعقاري كلوميبرامين 150 مجم Clomipramine وسيرترالين 50 مجم Sertraline إلا أن التحسن كان واضحا فيما يتعلق بالاكتئاب وكذلك باستجابة الاشمئزاز وتحاشي الرجال ووساوس وقهورات التحقق والترتيب، وبعد إضافة عقار البيموزايد 2 مجم Pimozide حدث تحسن ملحوظ في فرقعة المفاصل القهرية ونقر الجلد القهري لكن قضم الأظافر القهري ظل مقاوما للعلاج.
 
الحالة الخامسة "س": 

كان "س" (19 عاما) طالبا في السنة الثانية لكلية الطب البشري يتناول علاجا عقاريا للوسواس القهري منذ سنتين بلا فائدة تذكر، مما تسبب في تأخره في الدراسة، وكانت مواضيع وساوسه تتعلق بالعدوانية وفرط الشعور بالمسئولية بما يصاحبها من قهورات التحقق وطلب الطمأنة إضافة إلى الاجترار الوسواسي والصور العقلية الوسواسية.

تم إدماج "س" في العلاج المعرفي السلوكي وكان ناشطا ومتعاونا بحق ونجح مبكرا جدا في الكف عن تحاشي الأطفال وفي الامتناع عن التحقق والتأكد منذ الجلسة الخامسة فلم يعد مضطرا للعودة من نفس الطريق بالسيارة ليتحقق من أنه لم يدهس أحدا، لكنه فاجأني في الجلسة السابعة بحزنه الشديد وخوفه وارتباكه وهو يقول باكيا لقد أصبحت فصاميا يا دكتور أصبحت أسمع أصواتا مثل الفصاميين.. . . . وتبين بعد ذلك أنه يقصد سماع صوت سيارة الإسعاف متكررا ومتغير الشدة وقادما من الشارع عندما أصر على منع نفسه حسب اتفاقنا من العودة للتحقق من أن ما اهتزت السيارة عند المرور فوقه كان مجرد مقب صناعي وليس إنسانا.. . . ولم يجد بالطبع عندما خرج ليتحقق أي سيارات إسعاف ولا أي دلائل على دهس أحد لأحد، وكان معنى هذا بالنسبة له أن ما سمعه كان هلوسة سمعية ومعناها فصام كما قرأ من قبل على الإنترنت.

طمأنت "س" بأن ما حدث معه يحدث في بعض مرضى الوسواس القهري ولا يعني لا فصاما ولا ذهانا.. . كل ما هنالك أن القلق عندما يصل إلى مستوى مفرط فإنه يخلق لنفسه سببا في العالم الخارجي.. . وأما بالنسبة لي فقد كانت هذه الحالة هي أول حالة هلاوس سمعية في مريض وسواس قهري غير ذهاني.. . ورغم أنه كان يستقبل الصوت قادما من الخارج واضحا وبشدات مختلفة، ورغم أنه تصرف على أساسه وخرج ليتحقق، إلا أنه كان يشك في واقعيته.

- كان الغريب في تجربة علاج "س" أن التحسن في أعراضه تزامن مع تقليل العقاقير التي كان يتناولها من (كلوميبرامين 150 مجم Clomipramine وسيرترالين 250 مجم Sertraline وريسبريدون 2 مجم Risperidone وبيوبروبيون 150 مجم Bupropion) إلى كلوميبرامين 75 مجم وسيرترالين 50 مجم فقط، واختفت الهلوسة السمعية بإصراره على إهمالها ودون الحاجة إلى أي مضادات للذهان، وهو ما يثبت أنها هلاوس غير ذهانية.
يتبع.. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

1- Berrios GE. (1989):  Obsessive–compulsive disorder: its conceptual history in France during the 19th century. Compr Psychiatry 1989;30(4):  283- 95

2- Sartorius, N. ; Shapiro, R. & Jablensky, A. (1974). The international pilot study of schizophrenia. Schizophrenia Bulletin, 1, 21- 25.

3- Abohendy W (2008):  Is It Ego- dystonic Homosexuality ? Case Presentation in Syrian Pan Arab Psychiatric conference:  Psychological Consequences of Violence Evidence- based Mental Health" 20- 23 August 2008.

الكاتب: أ. د وائل أبو هندي

المصدر:  مجانين العقلاء